الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق **
أنه قد اجتمع فيه من الأخلاق العظيمة، والأوصاف الجزيلة، والكمالات العلمية والعملية، والمحاسن الراجعة إلى النفس والبدن والنسب والوطن، ما يجزم العقل بأنه لا يجتمع في غير نبي، فإن كل واحد منها وإن كان يوجد في غير النبي أيضًا، لكن مجموعها مما لا يحصل إلا للأنبياء، فاجتماعها في ذاته صلى اللّه عليه وسلم من دلائل النبوة وقد أقر المخالفون أيضًا بوجود أكثر هذه المحاسن في ذاته صلى اللّه عليه وسلم، مثلًا "اسبان هميس المسيحي" من الذين هم أشد أعداء النبي صلى اللّه عليه وسلم والطاعنين في حقه، لكنه اضطر في الإقرار بوجود أكثر الأمور المذكورة في ذاته صلى اللّه عليه وسلم. كما نقل سيل قوله في مقدمة ترجمة القرآن في الصفحة السادسة من النسخة المطبوعة سنة 1850 هكذا: (أنه كان حسن الوجه وزكيًا و كانت طريقته مرضية، وكان الإحسان إلى المساكين شيمته، وكان يعامل الكل بالخلق الحسن، وكان شجاعًا على الأعداء، وكان يعظم اسم اللّه تعظيمًا عظيمًا، وكان يشدد على المفترين، والذين يرمون البرآء، والزانين، والقاتلين، وأهل الفضول، والطامعين، وشهود الزور، تشديدًا بليغًا، وكانت كثرة وعظه في الصبر والجود والرحم والبر والإحسان وتعظيم الأبوين والكبار وتوقيرهم وتكريمهم، وكان عابدًا مرتاضًا في الغاية) انتهى كلامه. (المسلك الثالث) مَنْ نظر إلى ما اشتملت شريعته الغراء عليه مما يتعلق بالاعتقادات والعبادات والمعاملات والسياسات والآداب والحكم، علم قطعًا أنها ليست إلا من الوضع الإلهي، والوحي السماوي، وأن المبعوث بها ليس إلا نبيًا. وقد عرفت في الباب الخامس، أن اعتراضات القسيسين عليها ضعيفة جدًا، منشؤها العناد الصرف والاعتساف. (المسلك الرابع) أنه عليه السلام ادعى بين قوم لا كتاب لهم ولا حكمة فيهم: أني بعثت من عند اللّه بالكتاب المنير والحكمة الباهرة لأنور العالم بالإيمان والعمل الصالح. وانتصب مع ضعفه وفقره وقلة أعوانه وأنصاره، مخالفًا لجميع أهل الأرض آحادهم وأوساطهم وسلاطينهم وجبابرتهم، فضلل آراءهم وسفه أحلامهم وأبطل مللهم وهدم دولهم، وظهر دينه على الأديان في مدة قليلة شرقًا وغربًا، وزاد على مر الأعصار والأزمان، ولم يقدر الأعداء مع كثرة عددهم وعددهم وشدة شوكتهم وشكيمتهم، وفرط تعصبهم وحميتهم وبذل غاية جهدهم في إطفاء نور دينه وطمس آثار مذهبه. فهل يكون ذلك إلا بعون إلهي وتأييد سماوي، ولنعم ما قال غمالائيل معلم اليهود لهم في حق الحواريين: (يا أيها الرجال الإسرائيليون احترزوا لأنفسكم من جهة هؤلاء الناس فيما أنتم مزمعون أن تفعلوا). 36 (لأنه قبل هذه الأيام قام ثوداس قائلًا عن نفسه: أنه شيء الذي التصق به عدد من الرجال نحو أربعمائة، الذي قتل وجميع الذين انقادوا إليه تبددوا وصاروا لا شيء). 37 (بعد هذا قام يهودا الجليلي في أيام الاكتتاب، وأزاغ وراءه شعبًا غفيرًا، فذاك أيضًا هلك وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا). 38 (والآن أقول لكم تنحوا عن هؤلاء الناس واتركوهم لأنه إن كان هذا الرأي وهذا العمل من الناس فسوف ينتقض) 39 (وإن كان من اللّه فلا تقدرون أن تنتقضوه لئلا توجدوا محاربين للّه أيضًا) كما هو مصرح به في الباب الخامس من كتاب الأعمال، والآية السابعة من الزبور الأول هكذا: (لأن الرب يعرف طريق الصديقين وطريق المنافقين تهلك) والآية السادسة من الزبور الخامس هكذا: (وتهلك كل الذين يتكلمون بالكذب، الرجل السافك الدماء والغاش يرذله الرب). والآية السادسة عشرة من الزبور الرابع والثلاثين هكذا: (وجه الرب على الذين يعملون المساوئ ليبيد من الأرض ذكرهم) وفي الزبور السابع والثلاثين هكذا 17: (لأن سواعد الخطاة تنكر، والرب يعضد الصديقين) 20 (الخطاة فيهلكون، وأعداء الرب جميعًا إذ يمجدون ويرتفعون، يبيدون، وكالدخان يفنون). فلو لم يكن محمد صلى اللّه عليه وسلم من الصديقين لأهلك الرب طريقه ورذله وأباد ذكره من الأرض، وكسر سواعده وأفناه كالدخان. لكنه لم يفعل شيئًا منها، فكان محمد صلى اللّه عليه وسلم من الصديقين، ولعمري أن علماء بروتستنت في تكذيب الدين المحمدي محاربون اللّه لكن الوقت قريب فسوف يعلمون أسأت على اللّه في فعلـه ** لأنك لم ترض لي مـا وهب (المسلك الخامس) أنه ظهر في وقت كان الناس محتاجين إلى من يهديهم إلى الطريق المستقيم، ويدعوهم إلى الدين القويم لأن العرب كانوا على عبادة الأوثان، ووأد البنات. والفرس على اعتقاد الإلهين ووطء الأمهات والبنات. والترك على تخريب البلاد وتعذيب العباد. والهند على عبادة البقر، والسجود للشجر والحجر. واليهود على الجحود ودين التشبيه، وترويج الأكاذيب المفتريات. والنصارى على القول بالتثليث، وعبادة الصليب وصور القديسين والقديسات. وهكذا سائر الفرق في أودية الضلال والانحراف عن الحق والاشتغال بالمحال، ولا يليق بحكمة اللّه الملك المبين أن لا يرسل في هذا الوقت أحدًا يكون رحمة للعالمين، وما ظهر أحد يصلح لهذا الشأن العظيم ويؤسس هذا البنيان القويم غير محمد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأزال الرسوم الزائغة والمقالات الفاسدة، وأشرقت شموس التوحيد وأقمار التنزيه، وزالت ظلمة الشرك والوثنية والتثليث والتشبيه، عليه من الصلاة أفضلها ومن التحيات أكملها، وإليه أشار اللّه تعالى بقوله: (المسلك السادس) أخبار الأنبياء المتقدمين عليه، عن نبوته عليه السلام، ولما كان القسيسون يغلطون العوام في هذا الباب تغليطًا عظيمًا استحسنت أن أقدم على نقل تلك الأخبار أمورًا ثمانية تفيد للناظر بصيرة: (الأمر الأول) أن الأنبياء الإسرائيلية مثل أشعيا وأرميا ودانيال وحزقيال وعيسى عليهم السلام، أخبروا عن الحوادث الآتية كحادثة بختنصر وقورش واسكندر وخلفائه وحوادث أرض أدوم ومصر ونينوى وبابل، ويبعد كل البعد أن لا يخبر أحد منهم عن خروج محمد صلى اللّه عليه وسلم الذي كان وقت ظهوره كأصغر البقول، ثم صار شجرة عظيمة تأوي طيور السماء في أغصانها، فكسر الجبابرة والأكاسرة وبلغ دينه شرقًا وبلغ دينه شرقًا وغربًا وغلب الأديان وامتد دهرًا بحيث مضى على ظهوره مدة ألف ومائتين وثمانين إلى هذا الحين ويمتد إن شاء اللّه إلى آخر بقاء الدنيا، وظهر في أمته ألوف ألوف من العلماء الربانيين والحكماء المتقنين والأولياء ذوي الكرامات والمجاهدات والسلاطين العظام، وهذه الحادثة كانت أعظم الحوادث، وما كانت أقل من حادثة أرض أدوم ونينوى وغيرهما فكيف يجوز العقل السليم أنهم أخبروا عن الحوادث الضعيفة وتركوا الإخبار عن الحادثة العظيمة. (الأمر الثاني) أن النبي المتقدم إذا أخبر عن النبي المتأخر، لا يشترط في إخباره أن يخبر بالتفصيل التام بأنه يخرج من القبيلة الفلانية في السنة الفلانية في البلد الفلاني، وتكون صفته كيت وكيت، بل يكون هذا الإخبار في غالب الأوقات مجملًا عند العوام، وأما عند الخواص فقد يصير جليًا بواسطة القرائن، وقد يبقى خفيًا عليهم أيضًا لا يعرفون مصداقه إلا بعد ادعاء النبي اللاحق أن النبي المتقدم أخبر عني وظهور صدق ادعائه بالمعجزات وعلامات النبوة، وبعد الادعاء وظهور صدقه يصير جليًا عندهم بلا ريب ولذلك يعاتبون كما عاتب المسيح عليه السلام علماء اليهود بقوله: (ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم) كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من إنجيل لوقا، وعلى مذاق المسيحيين قد يبقى خفيًا على الأنبياء فضلًا عن العلماء بل قد يبقى خفيًا على النبي المخبر عنه على زعمهم في الباب الأول من إنجيل يوحنا هكذا: 19 (وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت) 20 (فاعترف ولم ينكروا قرأني لست أنا المسيح) 21 (فسألوه ماذا إذًا أنت، إيلياء؟ فقال لست أنا إيلياء فسألوه أنت النبي فأجاب لا) 22 (فقالوا له من أنت لنعطي جوابًا للذين أرسلونا ماذا تقول عن نفسك) 23 (قال أنا صوت صارخ في البرية قوّموا طريق الرب كما قال أشعيا النبي) 24 (وكان المرسلون من الفريسيين) 25 (فسألوه وقالوا له فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي). والألف واللام في لفظ النبي الواقع في الآية 21 و 25 للعهد، والمراد النبي المعهود الذي أخبر عنه موسى عليه السلام في الباب الثامن عشر من سفر الاستثناء على ما صرح به العلماء المسيحية، فالكهنة واللاويون كانوا من علماء اليهود وواقفين على كتبهم وعرفوا أيضًا أن يحيى عليه السلام نبي، لكنهم شكوا في أنه المسيح عليه السلام أو إيلياء عليه السلام أو النبي المعهود الذي أخبر عنه موسى عليه السلام، فظهر منه أن علامات هؤلاء الأنبياء الثلاثة لم تكن مصرحة في كتبهم بحيث لا يبقى الاشتباه للخواص فضلًا عن العوام فلذلك سألوا أولًا أنت المسيح فبعد ما أنكر يحيى عليه السلام عن كونه مسيحًا سألوه أنت إيلياء فبعد ما أنكر عن كونه إيلياء أيضًا سألوه أنت النبي المعهود. ولو كانت العلامات مصرحة لما كان للشك محل بل ظهر منه أن يحيى عليه السلام لم يعرف نفسه أنه إيلياء حتى أنكر، فقال لست أنا وقد شهد عيسى أنه إيلياء في الباب الحادي عشر من إنجيل متى. قول عيسى عليه السلام في حق يحيى عليه السلام هكذا: (وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيلياء المزمع أن يأتي) وفي الباب السابع عشر من إنجيل متى هكذا: 10 (وسأله تلاميذه قائلين فلماذا يقول الكتبة أن إيلياء ينبغي أن يأتي أولًا) 11 (فأجاب يسوع وقال لهم أن إيلياء يأتي أولًا ويرد كل شيء) 12 (ولكني أقول لكم أن إيلياء قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الإنسان أيضًا سوف يتألم منهم) 13 (حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان). وظهر من العبارة الأخيرة أن علماء اليهود لم يعرفوه بأنه إيلياء وفعلوا به ما فعلوا وأن الحواريين أيضًا لم يعرفوه بأنه إيلياء مع أنهم كانوا أنبياء في زعم المسيحيين وأعظم رتبة من موسى عليه السلام وكانوا اعتمدوا من يحيى ورأوه مرارًا، وكان مجيئه ضروريًا قبل إلههم ومسيحهم. وفي الآية 33 من الباب الأول من إنجيل يوحنا قول يحيى هكذا: (وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلًا ومستقرًا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس) ومعنى قوله: (وأنا لم أكن أعرفه) على زعم القسيسين أنا لم أكن أعرفه معرفة جيدة بأنه المسيح الموعود، فعلم أن يحيى عليه السلام ما كان يعرف عيسى عليه السلام معرفة يقينية بأنه المسيح الموعود به إلى ثلاثين سنة ما لم ينزل الروح القدس، لعل كون ولادة المسيح من العذراء لم يكن من العلامات المختصة بالمسيح، وإلا فكيف يصح هذا، لكني أقطع النظر عن هذا وأقول أن يحيى أشرف الأنبياء الإسرائيلية بشهادة عيسى عليه السلام كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متى وأن عيسى عليه السلام إلهه وربه على زعم المسيحيين، وكان مجيئه ضروريًا قبل المسيح، وكان كونه إيلياء يقينيًا، فإذا لم يعرف هذا النبي الأشرف نفسه إلى آخر العمر، ولم يعرف إلهه وربه إلى المدة المذكورة، وكذا لم يعرف الحواريون الذين هم أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية مدة حياة يحيى أنه إيلياء، فماذا رتبة العلماء والعوام عندهم في معرفة النبي اللاحق بخبر النبي المتقدم عنه وترددهم فيه، وقيافا رئيس الكهنة كان نبيًا على شهادة يوحنا، كما هو مصرح به في الآية الحادية والخمسين من الباب الحادي عشر من إنجيله وهو أفتى بقتل عيسى عليه السلام وكفره وأهانه، كما هو مصرح به في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى، ولو كانت علامات المسيح في كتبهم مصرحة بحيث لا يبقى الاشتباه على أحد، ما كان لهذا النبي المفتي بقتل إلهه وبكفره أن يفتي بقتله وكفره. ونقل متى ولوقا في الباب الثالث، ومرقس ويوحنا في الباب الأول من أناجيلهم خبر أشعيا في حق يحيى عليهما السلام، وأقر يحيى عليه السلام بأن هذا الخبر في حقه على ما صرح به يوحنا. وهذا الخبر في الآية الثالثة من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (صوت المنادي في البرية، سهلوا طريق الرب، أصلحوا في البوادي سبيلًا لإلهنا) ولم يذكر فيه شيء من الحالات المختصة بيحيى عليه السلام لا من صفاته ولا من زمان خروجه، ولا مكان خروجه، بحيث لا يبقى الاشتباه، ولو لم يكن ادعاء يحيى عليه السلام بأن هذا الخبر في حقه، وكذا ادعاء مؤلفي العهد الجديد، لما ظهر هذا للعلماء المسيحية وخواصهم فضلًا عن العوام، لأن وصف النداء في البرية يعم أكثر الأنبياء الإسرائيلية الذين جاؤوا من بعد أشعيا عليه السلام، بل يصدق على عيسى عليه السلام أيضًا. لأنه كان ينادي مثل نداء يحيى عليه السلام: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماء. وسيظهر لك في الأمر السادس حال الإخبارات التي نقلها الإنجيليون في حق عيسى عليه السلام عن الأنبياء المتقدمين عليهم السلام، ولا ندعي أن الأنبياء الذين أخبروا عن محمد صلى اللّه عليه وسلم كان إخبار كل منهم بصفته مفصلًا بحيث لا يكون فيه مجال التأويل للمعاند. قال الإمام الفخر الرازي في ذيل تفسير قوله تعالى: قال المحقق عبد الحكيم السيالكوتي في حاشيته على البيضاوي: (هذا فصل يحتاج إلى مزيد شرح وهو يجب أن يتصور أن كل نبي أتى بلفظة معرضة وإشارة مدرجة لا يعرفها إلا الراسخون في العلم وذلك لحكمة إلهية، وقد قال العلماء: ما انفك كتاب منزل من السماء من تضمن ذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم، لكن بإشارات، ولو كان منجليًا للعوام لما عوتب علماؤهم في كتمانه، ثم ازداد ذلك غموضًا بنقله من لسان إلى لسان من العبراني إلى السرياني ومن السرياني إلى العربي، وقد ذكرت محصلة ألفاظ من التوراة والإنجيل إذا اعتبرتها وجدتها دالة على صحة نبوته عليه السلام بتعريض هو عند الراسخين في العلم جلي وعند العامة خفي). انتهى كلامه بلفظه. (الأمر الثالث) ادعاء أن أهل الكتاب ما كانوا ينتظرون نبيًا آخر غير المسيح وإيلياء، ادعاء باطل لا أصل له بل كانوا منتظرين لغيرهما أيضًا، لما علمت في الأمر الثاني أن علماء اليهود المعاصرين لعيسى عليه السلام سألوا يحيى عليه السلام أولًا: أنت المسيح؟ ولما أنكر سألوه: أنت إيلياء؟ ولما أنكر سألوه: أنت النبي؟ أي النبي المعهود الذي أخبر به موسى، فعلم أن هذا النبي كان منتظرًا مثل المسيح وإيلياء وكان مشهورًا بحيث ما كان محتاجًا إلى ذكر الاسم بل الإشارة إليه كانت كافية. وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا بعد نقل قول عيسى عليه السلام هكذا: 40: (فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبي) 41: (وآخرون قالوا هذا هو المسيح) وظهر من هذا الكلام أيضًا أن النبي المعهود عندهم كان غير المسيح ولذلك قابلوا بالمسيح. (الأمر الرابع) ادعاء أن المسيح خاتم النبيين ولا نبي بعده باطل، لما عرفت في الأمر الثالث أنهم كانوا منتظرين للنبي المعهود الآخر الذي يكون غير المسيح وإيلياء عليهم السلام، ولما لم يثبت بالبرهان مجيئه قبل المسيح فهو بعده ولأنهم يعترفون بنبوة الحواريين وبولس بل بنبوة غيرهم أيضًا. وفي الباب الحادي عشر من كتاب الأعمال هكذا: 27 (في تلك الأيام انحدر الأنبياء من أورشليم إلى أنطاكية) 28 (وقام واحد معهم اسمه أغابوس وأشار بالروح أن جوعًا عظيمًا كان عتيدًا أن يصير على جميع المسكونة الذي صار في أيام كلوديوس) (قيصر) فهؤلاء كلهم كانوا أنبياء على تصريح إنجيلهم وأخبر واحد منهم اسمه أغابوس عن وقوع الجدب العظيم. وفي الباب الحادي والعشرين من الكتاب المذكور هكذا: 10 (وبينما نحن مقيمون أيامًا كثيرة انحدر من اليهودية نبي اسمه أغابوس) 11 (فجاء إلينا وأخذ منطقة بولس وربط يد نفسه ورجليه وقال هذا بقوله الروح القدس، الرجل الذي له هذه المنطقة، هكذا سيربطه اليهود في أورشليم ويسلمونه إلى أيدي الأمم). وفي هذه العبارة أيضًا تصريح بكون أغابوس نبيًا، وقد يتمسكون لإثبات هذا الادعاء بقول المسيح المنقول في الآية الخامسة عشر من الباب السابع من إنجيل متى هكذا: (احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتوكم بثبات الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة) والتمسك به عجيب لأن المسيح عليه السلام أمر بالاحتراز من الأنبياء الكذبة لا الأنبياء الصدقة أيضًا ولذلك قيد بالكذبة، نعم لو قال احترزوا من كل نبي يجيء بعدي لكان بحسب الظاهر وجه للتمسك وإن كان واجب التأويل عندهم، لثبوت نبوة الأشخاص المذكورين، وقد ظهر الأنبياء الكذبة الكثيرون في الطبقة الأولى بعد صعوده كما يظهر من الرسائل الموجودة في العهد الجديد في الباب الحادي عشر من الرسالة الثانية إلى أهل قورنثيوس هكذا: 12 (ولكن ما أفعله لأقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا كما نحن أيضًا فيما يفتخرون به) 13 (لأن مثل هؤلاء رسل كذبة فعله ماكرون مغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح) فمقدسهم ينادي بأعلى نداء أن الرسل الكذبة الغدارين ظهروا في عهده وقد تشبهوا برسل المسيح. وقال آدم كلارك المفسر في شرح هذا المقام: (هؤلاء الأشخاص كانوا يدعون كذبًا أنهم رسل المسيح، وما كانوا رسل المسيح في نفس الأمر وكانوا يعظون ويجتهدون، لكن مقصودهم ما كان إلا جلب المنفعة). وفي الباب الرابع من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: (أيها الأحياء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من اللّه، لأن الأنبياء الكذبة كثيرون قد خرجوا إلى العالم). فظهر من العبارتين أن الأنبياء الكذبة قد ظهروا في عهد الحواريين. وفي الباب الثامن من كتاب الأعمال هكذا: 9 (وكان قبلًا في المدينة رجل اسمه سيمون يستعمل السحر، ويدهش شعب السامرة قائلًا أنه شيء عظيم) 10 (وكان الجميع يتبعونه من الصغير إلى الكبير قائلين هذا هو قوة اللّه العظيمة). وفي الباب الثالث عشر من الكتاب المذكور هكذا: (ولما اجتازا الجزيرة إلى باقوس وجدا رجلًا ساحرًا نبيًا كذابًا يهوديًا اسمه باريشوع) وكذا سيظهر الدجالون الكذابون يدعي كل منهم أنه المسيح كما أخبر عيسى عليه السلام وقال: (لا يضلكم أحد فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو [ص 223] المسيح ويضلون كثيرين) كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى فمقصود المسيح عليه السلام التحذير من هؤلاء الأنبياء الكذبة والمسحاء الكذبة لا من الأنبياء الصادقين أيضًا، ولذلك قال بعد القول المذكور في الباب السابع (من ثمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنبًا أو من الحسك تينًا). ومحمد صلى اللّه عليه وسلم من الأنبياء الصادقين، كما يدل عليه ثماره على ما عرفت في المسالك المتقدمة، ولا اعتبار لمطاعن المنكرين كما ستعرف في الفصل الثاني، ولأن كل شخص يعلم أن اليهود ينكرون عيسى بن مريم عليهما السلام ويكذبونه وليس عندهم رجل أشر منه، من ابتداء العالم إلى زمان خروجه، وكذا ألوف من الحكماء والعلماء الذين هم من أبناء صنف القسيسين وكانوا مسيحيين ثم خرجوا عن هذه الملة لاستقباحهم إياها، ينكرونه ويستهزؤون به وبملته وألفوا رسائل كثيرة لإثبات آرائهم واشتهرت هذه الرسائل في أكناف العالم، ويزيد متبعوهم كل يوم في ديار أوربا، فكما أن إنكار اليهود وهؤلاء الحكماء والعلماء في حق عيسى عليه السلام غير مقبول عندنا، فكذا إنكار أهل التثليث في حق محمد صلى اللّه عليه وسلم غير مقبول عندنا. (الأمر الخامس) الإخبارات التي نقلها المسيحيون في حق عيسى عليه السلام لا تصدق عليه، على تفاسير اليهود وتأويلاتهم، ولذلك هم ينكرونه أشد الإنكار، والعلماء المسيحية لا يلتفتون في هذا الباب إلى تفاسيرهم وتأويلاتهم ويفسرونها ويؤولونها بحيث تصدق في زعمهم على عيسى عليه السلام. قال صاحب ميزان الحق في الفصل الثالث من الباب الأول في الصفحة 46 من النسخة الفارسية المطبوعة سنة 1849: (المعلمون القدماء من الملة المسيحية ادعوا هذه الدعوى الصحيحة فقط أن اليهود أوّلوا الآيات التي كانت إشارة إلى يسوع المسيح بتأويلات غير صحيحة وغير لائقة وبينوها خلاف الواقع) انتهى. وقوله ادّعوا هذه الدعوى الصحيحة فقط غلط يقينًا لأن المعلمين القدماء كما ادعوا هذه الدعوى ادعوا أن اليهود حرفوا الكتب تحريفًا لفظيًا كما عرفت في الباب الثاني، لكني أقطع النظر عن هذا وأقول كما أن تأويلات اليهود في الآيات المذكورة مردودة غير صحيحة وغير لائقة عند المسيحيين، كذلك تأويلات المسيحيين في الإخبارات التي هي في حق محمد صلى اللّه عليه وسلم مردودة غير مقبولة عندنا، وسترى أن الإخبارات التي ننقلها في حق محمد صلى اللّه عليه وسلم أظهر صدقًا من الإخبارات التي نقلها الإنجيليون في حق عيسى عليه السلام، فلا بأس علينا إن لم نلتفت إلى تأويلاتهم الفاسدة، وكما أن اليهود ادعوا في حق بعض الإخبارات التي هي في حق عيسى عليه السلام على زعم المسيحيين أنها في حق مسيحهم المنتظر أو في حق غيره أو ليست في حق أحد، والمسيحيون يدعون أنها في حق عيسى عليه السلام ولا يبالون بمخالفتهم، فكذا نحن لا نبالي بمخالفة المسيحيين في حق بعض الإخبارات التي هي في حق محمد صلى اللّه عليه وسلم لو قالوا أنها في حق عيسى عليه السلام، وسترى أيضًا أن صدقها في حق محمد صلى اللّه عليه وسلم أليق من صدقها في حق عيسى عليه السلام، فادعاؤنا أحق من ادعائهم. (الأمر السادس) مؤلفوا العهد الجديد باعتقاد المسيحيين ذوو إلهام وقد نقلوا الإخبارات في حق عيسى عليه السلام فيكون هذا النقل على زعمهم بالإلهام، فأذكر نبذًا منها بطريق الأنموذج ليقيس المخاطب حال هذه الإخبارات بالإخبارات التي أنقلها في هذا المسلك في حق محمد صلى اللّه عليه وسلم، وإن سلك أحد من القسيسين مسلك الاعتساف وتصدى لتأويل الإخبارات التي أنقلها في هذا المسلك يجب عليه أن يوجه أولًا الإخبارات التي نقلها مؤلفوا العهد الجديد في حق عيسى عليه السلام، ليظهر للمنصف اللبيب حال الإخبارات التي نقلها الجانبان، ويقابلهما باعتبار القوة والضعف وإن غمض النظر عن توجيه الإخبارات العيسوية التي نقلها المؤلفون المذكورون. وأول الإخبارات المحمدية التي أنقلها في هذا المسلك يكون محمولًا على عجزه وتعصبه، لأنك قد علمت في الأمر الثاني والخامس أن المعاند له مجال واسع للتأويل في أمثال هذه الإخبارات، وإنما اكتفيت على نبذ مما نقله مؤلفو العهد الجديد، لأنه إذا ظهر أن البعض منها غلط يقينًا، والبعض منها محرف، والبعض منها لا يصدق على عيسى عليه السلام إلا بالادعاء البحت والتحكم الصرف، ظهر أن حال الإخبارات الأخر التي نقلها المسيحيون الذين ليسوا ذوي إلهام روحي، يكون أسوأ، فلا حاجة إلى نقلها. (الخبر الأول) ما هو المنقول في الباب الأول من إنجيل متى، وقد عرفت في بيان الغلط الخمسين في الفصل الثالث من الباب الأول أنه غلط، على أن كون مريم عذراء وقت الحبل غير مسلم عند اليهود والمنكرين، ولا يتم عليهم حجة، لأنها قبل ولادة عيسى عليه السلام، كانت في نكاح يوسف النجار على تصريح الإنجيل واليهود المعاصرون لعيسى عليه السلام، ويقولون أنه ولد يوسف النجار كما هو مصرح به في الآية 55 من الباب 13 من إنجيل متى والآية 45 من الباب 1 والآية 42 من الباب السادس من إنجيل يوحنا، وإلى الآن يقولون هكذا بل أشنع منه، والعلامة الأخرى المختصة بعيسى عليه السلام غير مذكورة في هذا الخبر. (والخبر الثاني) ما هو المنقول في الآية السادسة من الباب الثاني من إنجيل متى، وهو إشارة إلى الآية الثانية من الباب الخامس من كتاب ميخا، ولا تطابق عبارة متى عبارة ميخا، وأحدهما محرفة، وقد عرفت في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول من الباب الثاني، أن محققيهم اختاروا تحريف عبارة ميخا، لكن ادعاؤهم هذا لأجل محافظة الإنجيل فقط، وعند المخالف باطل. (والخبر الثالث) ما هو المنقول في الآية الخامسة عشر، من الباب المذكور من إنجيل متى. (والخبر الرابع) ما هو منقول في الآية 17 و 18 من الباب المذكور. (والخبر الخامس) ما هو المنقول في الآية الثالثة والعشرين من الباب المذكور. وهذه الأخبار الثلاثة غلط كما عرفت في الفصل الثالث من الباب الأول. (والخبر السادس) الآية التاسعة من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى، وقد عرفت في الشاهد التاسع والعشرين من المقصد الثاني من الباب الثاني أنه غلط، على أن هذا الحال يوجد في الباب الحادي عشر من كتاب زكريا، ولا مناسبة له بالقصة التي نقلها متى، لأن زكريا عليه السلام بعد ما ذكر اسمي عصوين ورعى قطيع يقول هكذا ترجمة عربية سنة 1844: 12 (وقلت لهم إن حسن في أعينكم فهاتوا أجري وإلا فكفوا فوزنوا أجري ثلاثين من الفضة) 13 (وقال لي الرب ألقها إلى صناع التماثيل ثمنًا كريمًا أثموني به فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها في بيت الرب إلى صناع التماثيل). فظاهر كلام زكريا أنه بيان حال، لا إخبار عن الحادثة الآتية، وأن يكون آخذ الدراهم من الصالحين مثل زكريا عليه السلام لا من الكافرين مثل يهودا. (والخبر السابع) ما نقله مقدسهم بولس في الآية السادسة من الباب الأول من الرسالة العبرانية، وقد عرفت حاله في الفصل الثالث أنه غلط لا يصدق على عيسى عليه السلام. (والخبر الثامن) الآية الخامسة والثلاثون من الباب الثالث عشر من إنجيل متى هكذا: (لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتوبات منذ تأسيس العالم) وهو إشارة إلى الآية الثانية من الزبور الثامن والسبعين، لكنه ادعاء محض وتحكم بحت، لأن عبارة هذا الزبور هكذا: 2 (أفتح بالأمثال فمي وأنطق بالذي كان قديمًا) 3 (كل ما سمعناه وعرفناه وآباؤنا أخبرونا) 4 (ولم يخفوه عن أولادهم إلى الجيل الآخر إذ يخبرون بتسابيح الرب وقواته وعجائبه التي صنع) 5 (إذ أقام الشهادة في يعقوب، ووضع الناموس في إسرائيل كل الذي أوصى آباؤنا ليعرفوا به أبناءهم) 6 (لكيما يعلم الجيل الآخر بينهم المولدين) 7 (فيقومون أيضًا ويخبرون به أبناؤهم) 8 (لكي يجعلوا اتكالهم على اللّه ولا ينسوا أعمال اللّه ويلتمسوا وصايا) 9 (لئلا يكونوا مثل آبائهم الجيل الأعرج المتمرد الذي لم يستقم قلبه ولا آمنت باللّه روحه). وهذه الآيات صريحة في أن داود عليه السلام يريد نفسه، ولذا عبر عن نفسه بصيغة المتكلم، ويروي الحالات التي سمعها من الآباء ليبلغ إلى الأبناء على حسب عهد اللّه لتبقى الرواية محفوظة، وبين من الآية العاشرة إلى الخامسة والستين، حال إنعامات اللّه والمعجزات الموسوية، وشرارة بني إسرائيل وما لحقهم بسببها. ثم قال: 65 (واستيقظ الرب كالنائم مثل الجبار المفيق من الخمر) 66 (فضرب أعداءه في الوراء وجعلهم عارًا إلى الدهر) 67 (وأبعد محله يوسف ولم يختر سبط إفرام) 68 (بل اختار سبط يهوذا لجيل صهيون الذي أحب) 69 (وبنى مثل وحيد القرن قدسه وأسسه في الأرض إلى الأبد) 70 (واختار داود عبده وأخذه من مراعي الغنم) 71 (ومن خلف المرضعات، أخذه ليرعى يعقوب عبده وإسرائيل ميراثه) 72 (فرعاهم بدعة قلبه وبفهم يديه أهداهم). وهذه الآيات الأخيرة أيضًا دالة صراحة في أن هذا الزبور في حق داود عليه السلام فلا علاقة لهذا بعيسى عليه السلام. (والخبر التاسع) في الباب الرابع من إنجيل متى هكذا: 14 (لكي يتم ما قيل بأشعيا النبي القائل) 15 (أرض زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم) 16 (الشعب الجالس في ظلمة، أبصر نورًا عظيمًا والجالسون في كورة الموت وظلاله، أشرق عليهم نور) وهو إشارة إلى الآية الأولى والثانية من الباب التاسع من كتاب أشعيا وعبارته هكذا: (في الزمان استخفت أرض زبلون وأرض نفتالي وفي الآخر تثقلت طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم) 2 (الشعب السالك في الظلمة رأى نورًا عظيمًا، الساكنون في بلاد ظلال الموت أشرق عليهم نور). وفرق ما بين العبارتين فإحداهما محرفة ومع قطع النظر عن هذا، لا دلالة لكلام أشعيا على ظهور شخص، بل الظاهر أن أشعيا عليه السلام يخبر أن حال سكان أرض زبلون ونفتالي كان سقيمًا في سالف الزمان ثم صار حسنًا كما تدل عليه صيغ الماضي، أعني استخفت وتثقلت ورأى وأشرق وإن عدلنا عن الظاهر وحملنا على المجاز بمعنى المستقبل وقلنا أن رؤية النور وإشراقه عليهم، عبارة عن مرور الصلحاء بأرضهم، فادعاء أن مصداق هذا الخبر عيسى عليه السلام فقط تحكم صرف، لأن كثيرًا من الأولياء والصلحاء مر بتلك الأرض، سيما أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم وأولياء أمته أيضًا الذين زالت ظلمة الكفر والتثليث من هذه الديار بسببهم، وظهر نور التوحيد وتصديق المسيح كما ينبغي. وأكتفي خوفًا من التطويل على هذا القدر ونقلت الأخبار الأخر أيضًا في إزالة الأوهام وغيره من مؤلفاتي وبينت وجوه ضعفها. (الأمر السابع) أن أهل الكتاب سلفًا وخلفًا عادتهم جارية بأنهم يترجمون غالبًا الأسماء في تراجمهم ويوردون بدلها معانيها، وهذا خبط عظيم ومنشأ للفساد وأنهم يزيدون تارة شيئًا بطريق التفسير في الكلام الذي هو كلام اللّه في زعمهم، ولا يشيرون إلى الامتياز. وهذان الأمران بمنزلة الأمور العادية عندهم، ومن تأمل في تراجمهم المتداولة بألسنة مختلفة وجد شواهد تلك الأمور كثيرة وأنا أورد أيضًا بطريق الأنموذج بعضًا منها. 1- في الآية الرابعة عشر من الباب السادس عشر من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1831 وسنة 1844 هكذا: (لذلك دعت اسم تلك البيرني بير الحي الناظر، فترجموا اسم البئر الذي كان في العبراني بالعربي. 2- وفي الآية الرابعة عشر من الباب الثاني والعشرين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (سمى إبراهيم اسم الموضع مكان يرحم اللّه زائره) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844: (دعا اسم ذلك الرب يرى) فترجم المترجم الأول الاسم العبراني بمكان يرحم اللّه زائره والمترجم الثاني بالرب يرى. 3- وفي الآية العشرين من الباب الحادي والثلاثين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 هكذا: (فكتم يعقوب أمره عن حميه) وفي ترجمة أردو المطبوعة سنة 1825 لفظ لابان موضع حميه فوضع مترجمو العربية لفظ الحمى موضع الاسم. 4- وفي الآية العاشرة من الباب التاسع والأربعين من سفر التكوين في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844: (فلا يزول القضيب من يهودا والمدير من فخذه حتى يجيء الذي له الكل وإياه تنتظر الأمم). فقوله (الذي له الكل) ترجمة لفظ شيلوه وهذه الترجمة موافقة الترجمة اليونانية. وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (فلا يزول القضيب من يهودا والرسم من تحت أمره إلى أن يجيء الذي هو له وإليه يجتمع الشعوب). وهذا المترجم ترجم لفظ شيلوه (بالذي هو له) وهذه الترجمة موافقة للترجمة السريانية وترجم هذا اللفظ محققهم المشهور ليكلرك بعاقبته، وفي ترجمة أردو المطبوعة سنة 1825 وقع لفظ شيلا، وفي الترجمة اللاتينية ولتكيت (الذي سيرسل). فالمترجمون ترجموا لفظ شيلوه بما ظهر وترجح عندهم وهذا اللفظ كان بمنزلة الاسم للشخص المبشر به. 5- وفي الآية الرابعة عشر من الباب الثالث من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 فقال اللّه لموسى (أهيه أشراهيه) وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (قال له الأزلي الذي لا يزال). فلفظ أهيه أشراهيه كان بمنزلة اسم الذات فترجمه المترجم الثاني بالأزلي الذي لا يزال. 6- وفي الآية الحادية عشر من الباب الثامن من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 هكذا: (تبقى في النهر فقط). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (تبقى في النيل فقط). 7- وفي الآية الخامسة عشر من الباب السابع من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 وسنة 1844 هكذا: (فابتنى موسى مذبحًا ودعا اسمه الرب عظمتي). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (وبنى مذبحًا وسماه اللّه علمي). وترجمة أردو موافقة لهذه الأخيرة، فأقول مع قطع النظر عن الاختلاف أن المترجمين ترجموا الاسم العبراني. 8- وفي الآية الثالثة والعشرين من الباب الثلاثين من سفر الخروج في الترجمتين المذكورتين هكذا: (من ميعة فائقة). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (من المسك الخالص، وبين الميعة والمسك فرق ما، ففسروا الاسم العبراني بما ترجح عندهم). 9- وفي الآية الخامسة من الباب الرابع والثلاثين من سفر الاستثناء في الترجمتين المذكورتين هكذا: (فمات هناك موسى عبد الرب). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (فمات هناك موسى رسول اللّه). فهؤلاء المترجمون لو بدلوا في البشارات المحمدية، لفظ رسول اللّه بلفظ آخر فلا استبعاد منهم. 10- وفي الآية الثالثة عشر من الباب العاشر من كتاب يوشع، في الترجمة المطبوعة سنة 1844 هكذا: (أليس هذا مكتوبًا في سفر الأبرار). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (أليس هو مكتوبًا في سفر المستقيم). وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838 لفظ (يا صار) موضع الأبرار أو المستقيم. وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1845 لفظ (ياشر). وفي ترجمة أردو المطبوعة سنة 1835 لفظ (يا شا لعل يا صار) أو (يا شر أو يا شا) اسم مصنف الكتاب، فترجم مترجمو العربية، هذا الاسم على آرائهم بالأبرار أو المستقيم. 11- وفي الباب الثامن من كتاب أشعيا، في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1839 هكذا: 1 (وخدا وندمر افرمودكه لوحي بزرك بكيرواز قلم كند كاردر باب مهر شالال جاشنر بنويس) 3 (أورامهر شالال جشنر نام ينه). وترجمة أردو المطبوعة سنة 1825 توافقها. وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: 1 (وقال لي الرب خذ لك مدرجًا عظيمًا واكتب فيه بكتابة إنسان انتهب مستعجلًا أسلب سريعًا) 3 (ادع اسمه أغنم بسرعة وانهب عاجلًا). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 هكذا: (وقال لي الرب: خذ لك مدرجًا صحيحًا صحيفة جديدة كبيرة، واكتب فيها بكتابة إنسان حاد ليضع نهب الغنائم لأنه حضر) 3 (ادع اسمه أغنم بسرعة وانهبوا نجده). فكان اسم الابن مهر شالال جاشنر، فترجم مترجمو العربية هذا الاسم على آرائهم، وخالفوا فيما بينهم. ومع قطع النظر عن المخالفة، زاد مترجم العربية المطبوعة سنة 1811 ألفاظًا من قبل نفسه، فأمثال هؤلاء لو بدلوا في البشارات المحمدية أسماء من أسماء النبي صلى اللّه عليه وسلم أو زادوا شيئًا، فلا استبعاد منهم، لأن هذا الأمر يصدر عنهم بحسب عادتهم. 12- وفي الآية الرابعة عشر من الباب الحادي عشر من إنجيل متى، في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 وسنة 1844 هكذا: (فإن أردتم أن تقبلوه فهو إيلياء المزمع أن يأتي)، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816: (فإن أردتم أن تقبلوه فهذا هو المزمع بالإتيان). فالمترجم الأخير بدل لفظ إيلياء بهذا، فأمثال هؤلاء لو بدلوا اسمًا من أسماءالنبي صلى اللّه عليه وسلم في البشارة، فلا عجب. 13- وفي الآية الأولى من الباب الرابع من إنجيل يوحنا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811، وسنة 1831، وسنة 1844 هكذا: (لما علم يسوع). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816، وسنة 1860: (لما علم الرب). فبدل المترجمان الأخيران لفظ يسوع، الذي كان علم عيسى عليه السلام بالرب الذي هو من الألفاظ التعظيمية، فلو بدلوا اسمًا من أسماء النبي صلى اللّه عليه وسلم بالألفاظ التحقيرية لأجل عادتهم وعنادهم، فلا عجب. وهذه الشواهد تدل على ترجمة الأسماء، وإيراد لفظ آخر بدلها. [1] في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: (ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلًا: إيلي إيلي، لما شبقتني، أي إلهي إلهي لماذا تركتني). وفي الباب الخامس عشر من إنجيل مرقس هكذا: (وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلًا: الوى الوى لما شبقتني، الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني). فلفظ أي إلهي إلهي لماذا تركتني في إنجيل متى، وكذا لفظ الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني في إنجيل مرقس، ليسا من كلام الشخص المصلوب يقينًا، بل ألحقا بكلامه. [2] في الآية السابعة عشر من الباب الثالث من إنجيل مرقس هكذا: (لقبهما ببوان رجس أي ابني الرعد). فلفظ أي ابني الرعد ليس من كلام عيسى عليه السلام بل هو إلحاقي. [3] في الآية الحادية والأربعين من الباب الخامس من إنجيل مرقس هكذا: (وقال لها طليثا قومي الذي تفسيره يا صبية لك أقول قومي). فهذا التفسير إلحاقي ليس من كلام عيسى عليه السلام. [4] في الآية الرابعة والثلاثين من الباب السابع من إنجيل مرقس في الترجمة المطبوعة سنة 1816: (ونظر إلى السماء وتأوه وقال افثا يعني انفتح)، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (ونظر إلى السماء وتنهد وقال افاثا الذي هو انفتح). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: (ونظر إلى السماء وتنهد وقال له انفتح الذي هو انفتح). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860 هكذا: (ورفع نظره نحو السماء وأنّ وقال له افثا أي انفتح). ومن هذه العبارة، وإن لم يعلم صحة اللفظ العبراني أهو افثا أو افاثا، لأجل اختلاف التراجم التي منشأ اختلافها عدم صحة ألفاظ أصولها، لكنه يعلم يقينًا أن لفظ أي انفتح أو الذي هو انفتح، إلحاقي ليس من كلام عيسى عليه السلام. وهذه الأقوال المسيحية الأربعة التي نقلتها من الشاهد الأول إلى ههنا، تدل على أن المسيح عليه السلام كان يتكلم باللسان العبراني الذي كان لسان قومه، وما كان يتكلم باليوناني وهو قريب القياس أيضًا، لأنه كان عبرانيًا ابن عبرانية، نشأ في قومه العبرانيين. فنقل أقواله في هذه الأناجيل في اليوناني نقل بالمعنى، وهذا أمر آخر زائد على كون أقواله مروية برواية الآحاد. [5] في الآية الثامنة والثلاثين من الباب الأول، من إنجيل يوحنا هكذا: (فقالا له ربي الذي تفسيره يا معلم). فقوله الذي تفسيره يا معلم إلحاقي، ليس من كلامهما. [6] في الآية الحادية والأربعين من الباب المذكور في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 وسنة 1844: (قد وجدنا مسيا الذي تأويله المسيح). وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1816: (ما مسيح راكه ترجمة آن كرسطوس ميبا شديا فتيم). وترجمة أردو المطبوعة سنة 1814 توافق الفارسية، فيعلم من الترجمتين العربيتين أن اللفظ الذي قاله أندراوس هو مسيا وأن المسيح ترجمته، ومن الترجمة الفارسية وأردو أن اللفظ الأصل هو المسيح وكرسطوس ترجمته، ويعلم من ترجمة أردو المطبوعة سنة 1839 أن اللفظ الأصل خرسته وأن المسيح ترجمته، فلا يعلم من كلامهم أن اللفظ الأصل أي لفظ كان أمسيا أو المسيح أو خرسته، وهذه الألفاظ وإن كان معناها واحدًا لكن لا شك أن الذي قاله أندراوس هو واحد من هذه الثلاثة يقينًا، وإذا ذكر اللفظ والتفسير فلا بد من ذكر اللفظ الأصل أولًا ثم من ذكر تفسيره. لكني أقطع النظر عن هذا وأقول أن التفسير المشكوك أيًا ما كان إلحاقيًا ليس من كلام أندراوس. [7] في الآية الثانية والأربعين من الباب الأول من إنجيل يوحنا، قول عيسى عليه السلام في حق بطرس الحواري في الترجمة العربية سنة 1811 هكذا: (أنت تدعى ببطرس الذي تأويله الصخرة). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816: (ستسمى أنت بالصفا المفسر ببطرس). وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1816: (ترابكيفاس كه ترجمة آن سنك است ندا خواهند كرد) أمطر اللّه حجارة على تحقيقهم وتصحيحهم لا يتميز من كلامهم المفسر عن المفسر، لكني أقطع النظر عن هذا وأقول أن التفسير ليس من كلام المسيح عليه السلام بل هو إلحاقي، وإذا كان حال تراجمهم وحال تحقيقهم في لقب إلههم ولقب خليفته كما علمت فكيف نرجو منهم صحة بقاء لفظ محمد أو أحمد أو لقب من ألقابه صلى اللّه عليه وسلم. [8] في الآية الثانية من الباب الخامس من إنجيل يوحنا في حق البركة في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844: (تسمى بالعبرانية بيت صيدا). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860: (يقال لها بالعبرانية بيت حسدا). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (تسمى بالعبرانية بيت حصدا أي بيت الرحمة). فالاختلاف بين صيدا وحسدا وحصدا وإن كان ثمرة من ثمرات تصحيحهم الكتب السماوية، لكني أقطع النظر عنه وأقول المترجم الأخير زاد التفسير من جانب نفسه في الكلام الذي هو كلام اللّه في زعمه، فلو زادوا شيئًا بطريق التفسير من جانب أنفسهم في البشارات المحمدية فلا بعد منهم. [9] في الآية السادسة والثلاثين من الباب التاسع من كتاب الأعمال هكذا: (وكان في يافا تلميذة اسمها طابيثا الذي ترجمته غزالة). [10] في الآية الثامنة من الباب الثالث عشر من كتاب الأعمال، في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844: (فناصبهما اليماس الساحر لأن هكذا يترجم اسمه). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860: (فقاومهما عليم الساحر لأن هكذا يترجم). وفي بعض تراجم أردو لفظ الماس، وفي بعضها الماء، فمع قطع النظر عن الاختلاف في أن اسمه اليماس أو عليم أو الماس أو الماء، أقول أن ترجمة اسمه إلحاقية. [11] في آخر رسالة بولس الأولى إلى أهل قورنثيوس، في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816: (ألا ومن لا يحب المسيح فليكن ملعونًا مارن أتى). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: (ومن لا يحب ربنا يسوع المسيح فليكن محرومًا ماران أتى). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860: (إن كان أحد لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن أنا ثيما ماران أثا). وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811: (من لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن مفروزًا مارن أتى أي الرب قد جاء). فمع قطع النظر عن صحة اللفظ الأصل، أقول أن المترجم الأخير قد زاد من جانب نفسه التفسير وقال أي الرب قد جاء. وهذه شواهد التفسير فثبت مما ذكرنا أن ترجمة الأسماء أو تبديلها بألفاظ أخر، وكذا إلحاق التفسيرات من جانب أنفسهم، من عاداتهم الجبلية سلفًا وخلفًا، فلا بعد في أن ترجموا اسمًا من أسماء النبي صلى اللّه عليه وسلم أو بدلوه بلفظ آخر، أو زادوا بطريق التفسير أو غير التفسير شيئًا بحيث يخل الاستدلال بحسب الظاهر، ولا شك أن اهتمامهم في هذا الأمر كان زائدًا على الاهتمام الذي كان لهم في مقابلة فرقهم، وما قصروا في التحريف في مقابلتهم على ما عرفت في الباب الثاني من قول هورن: (أن هذا الأمر أيضًا محقق أن بعض التحريفات القصدية صدرت عن الذين كانوا من أهل الديانة والدين، وكانت هذه التحريفات ترجح بعدهم لتؤيد بها مسألة مقبولة أو يدفع بها الاعتراض الوارد، مثلًا ترك قصدًا الآية الثالثة والأربعين من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا لأن بعض أهل الديانة ظنوا أن تقوية الملك للرب مناف لألوهيته، وتركت قصدًا في الباب الأول من إنجيل متى، هذه الألفاظ قبل أن يجتمعا في الآية الثامنة عشر، وهذه الألفاظ ابنها البكر في الآية الخامسة والعشرين، لئلا يقع الشك في البكارة الدائمة لمريم عليها السلام، وبدل لفظ اثنتي عشرة بأحد عشر في الآية الخامسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس، لئلا يقع إلزام الكذب على بولس، لأن يهوذا الأسخريوطي كان قد مات قبل وترك بعض الألفاظ في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس، ورد هذه الألفاظ بعض المرشدين أيضًا لأنهم تخيلوا أنها مؤيدة لفرقة أيرين وزيد بعض الألفاظ في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الأول من إنجيل لوقا في الترجمة السريانية والفارسية والعربية واتهيوبك وغيرها من التراجم، وفي كثير من نقول المرشدين في مقابلة فرقة يؤتى كينس لأنها كانت تنكر أن عيسى فيه صفتان) انتهى كلامه. فإذا كانت خصلة أهل الدين والديانة ما عرفت، فما ظنك بغير أهل الديانة بل الحق أن التحريف القصدي بالتبديل والزيادة والنقصان من خصالهم كلهم أجمعين، فبعض الإخبارات التي نقلها العلماء الأسلاف من أهل الإسلام مثل الإمام القرطبي وغيره، ولا تجدها موافقة في بعض الألفاظ للتراجم المشهورة الآن، فسببه غالبًا هذا التغير، لأن هؤلاء العلماء من أهل الإسلام نقلوا عن الترجمة العربية التي كانت رائجة في عهدهم، وبعد زمانهم وقع الإصلاح في تلك الترجمة، ويحتمل أن يكون ذاك السبب، اختلاف التراجم، لكن الأول هو المعتمد لأنا نرى أن هذه العادة جارية إلى الآن في تراجمهم ورسائلهم ألا ترى إلى ميزان الحق أن نسخه ثلاث، الأولى النسخة القديمة ورد عليها صاحب الاستفسار، ولما رد عليها وتنبه مصنفها أصلح النسخة القديمة، فزاد في بعض المواضع ونقص في البعض وبدل في البعض، ثم طبع هذه النسخة المصلحة وكتب جواب الاستفسار وسماه بحل الإشكال، ثم كتبت الرد على تلك النسخة الثانية لميزان الحق، ونبهت في كل موضع خالفت فيه هذه النسخة الجديدة للنسخة القديمة، وسميته بمعدل اعوجاج الميزان. لكن كتابي هذا لم يطبع في الهند لأجل بعض الحوادث، وكتب بعض أحبابي الرد على حل الإشكال في جواب الاستفسار وسماه بالاستبشار، وطبع هذا الرد واشتهر في الهند وفي زمان طبعه واشتهاره كان مؤلف الميزان في الهند، ومضت مدةعشر سنين على طبعه وما كتب المؤلف المذكور في جوابه شيئًا، وسمعت من بعض الثقات أنه أصلح في المرة الثالثة الميزان الذي طبعه بالتركي وغير في المواضع التي رأى فيها التغير واجبًا، مثل التغير في ابتداء الفصل الثاني من الباب الأول وغيره، ومن رأى الاستفسار ولم تصل إليه النسخة القديمة للميزان , بل وصلت إليه النسخة الثانية أو الثالثة، وأراد أن يصحح نقل صاحب الاستفسار كلام مؤلف الميزان بهاتين النسختين، وجده غير مطابق لهما في بعض المواضع، وكذا من رأى معدل اعوجاج الميزان، ولم تصل إليه النسخة الأولى ولا الثانية بل وصلت إليه النسخة الثالثة التركية، وأراد تصحيح النقل بهذه التركية، وجد في بعض المواضع النقل مطابق لها، فإن لم يكن واقفًا على هذا التغير والإصلاح، يظن أن الراد والناقل أخطأ في النقل، وليس كذلك بل حصل هذا الأمر من تغير المردود عليه وتحريفه والراد [و] الناقل مصيب، فالحاصل أن أمثال هذا الإصلاح والتحريفات جارية في كتبهم وتراجمهم ورسائلهم إلى هذا الحين. (الأمر الثامن) أن بولس وإن كان عند أهل التثليث في رتبة الحواريين، لكنه غير مقبول عندنا ولا نعده من المؤمنين الصادقين، بل من المنافقين الكذابين ومعلمي الزور والرسل الخداعين، الذين ظهروا بالكثرة بعد عروج المسيح، كما عرفت في الأمر الرابع، وهو خرق الدين المسيحي، وأباح كل محرم لمعتقديه، وكان في ابتداء الأمر مؤذيًا للطبقة الأولى من المسيحيين، جهرًا، لكنه لما رأى أن هذا الإيذاء الجهري لا ينفع نفعًا معتدًا به، دخل على سبيل النفاق في هذه الملة وادعى رسالة المسيح، وأظهر الزهد الظاهري. ففعل في هذا الحجاب ما فعل، وقبله أهل التثليث لأجل زهده الظاهري، ولأجل فراغ ذمتهم عن جميع التكاليف الشرعية. كما قبل أناس كثيرون من المسيحيين في القرن الثاني منتش الذي كان زاهدًا مرتاضًا وادعى أنه هو الفارقليط الموعود به، فقبلوه لأجل زهده ورياضته كما سيجيء ذكره في البشارة الثامنة عشر، ورده المحققون من علماء الإسلام سلفًا وخلفًا.
|